كانوا 26 رجلا، من قرية صغيرة في الريف الروسى، في آخر سنوات القيصر
نيكولاى الثانى. يعملون في فرن الخبز الوحيد في القرية. حياتهم فقيرة
وبيوتهم فقيرة وأحلامهم فقيرة. اكتست وجوههم بمزيج من حمرة النيران التى
يتعرضون لها كل يوم، وذرات الدقيق المتطايرة من ماجور العجين.

لم يكن في حياة الـ 26 رجلا، شيء يبعث على البهجة، كل الذكريات
باللون الأسود، والمستقبل لا يلوح منه غير اللون الأسود، باستثناء تلك
البنت المراهقة التى تأتيهم كل يوم. تمر على الفرن، لتحصل على الخبز مجانا،
ولا تمنحهم في المقابل سوى ضحكتها الماجنة، ودلال أنوثتها البريئة
المتفتحة.

لم يكن أى من هؤلاء الرجال يجرؤ على الإعلان أنه وحده الأحق بالفتاة
الجميلة، بل كان بينهم اتفاق غير معلن على أن يتشاركوا من بعيد ذلك الحب
البرىء، يحافظون على سرهم حتى يستمر مرورها وضحكها، فمن غير ابتسامتها لن
يكون للحياة معنى، ويحرصون على ألا يكتشف صاحب الفرن الأرغفة التى يمنحونها
للفتاة، رغم أن ذلك قد يعرضهم للطرد إذا انكشفوا.

ذات يوم، جاء القرية، شاب "معجبانى"، وسيم أنيق، واشترى الأرض
المجاورة للفرن، وأقام عليها فرنا عصريا يصنع الفطائر بالسكر. وبمرور الوقت
تعارفوا إلى الشاب، فكان يمر عليهم ليلا ويروى لهم حكايات عن المدينة
ونزواته الغرامية وقدراته الفذة في الإيقاع بالنساء. وفاجأهم بالسؤال عن
الفتاة الصغيرة الجميلة التى تمر عليهم ويصل صوت ضحكاتها إلى القرية كلها.
استشعر الرجال الـ 26 الخطر وطالبوا الشاب أن يبتعد عن الفتاة لأنها صغيرة
وطيبة ولا يجوز الإيقاع بها وأنها ليست مثل كل النساء، لكنه تحداهم أنه
يستطيع الإيقاع بها خلال أسبوعين.

وافقوا على الرهان، وخلال أسبوعين، كانوا يسمعون أحاديث متواترة بين
أهل القرية عن مطاردات الشاب للفتاة، يفرحون عندما يسمعون أنباء عن صدها
إياه، لكنهم كانوا يشعرون بحزن عظيم حين بدأت تغيب للمرة الأولى عن
زيارتهم، وحتى زياراتها القليلة، كانت تبدو شاحبة، صارت أقل ابتساما،
والبريق الذي كان يخرج من وجهها ويضىء حياتهم المظلمة اصبح باردا.

في اليوم الأخير من مهلة الرهان، مر عليهم الشاب، وطالبهم أن يحضروا لمشاهدة انتصاره عليهم. وحدد لهم مبنى مهجورا خارج القرية.

توجه الـ 26 رجلا، في الموعد المحدد، ليشاهدوا أمرا انهارت له
أحلامهم. سقطت البراءة، ضاع الجمال والحب الذي كانوا يتغذون عليه ويعوضون
به جوع الأيام.

غادروا في هدوء، إلى بيوتهم، لكن أحدا منهم لم يستطع النوم، كان
إحساس العار والخديعة والخيانة والخيبة والهزيمة قاتلا ومريرا. وفى صباح
اليوم التالى لم يتحدثوا إلى بعضهم بعضا أثناء العمل في الفرن. وعندما
انتهى العمل، ودونما اتفاق توجهوا إلى بيت الفتاة. انتظروها حتى خرجت. وفى
صمت أطبقوا عليها وقتلوها، وفى قلب كل منهم عبارة واحدة "الخائنة التى لم
تكتف بمحبة 26 رجلا"

الموضوع الاصلى : قصه 26 رجلا وامرأة واحدة  المصدر : منتديات أحلى عرب